الإمــام الصــدر الطائفيــة فـي لبنــان سياسيــة وليســت دينــا
د.نسيب حطيط
(إن الطائفية مدعاة للتفرقة والتنابذ لأنها تؤكد الإلتفاف حولها،وليس حول الإنسان وخير البشرية) هذا ما قاله الإمام الصدر قبل ثلاثين عاما، معلنا أن النظام الطائفي في لبنان يكرس التفرقة ويخلق التعقيدات للتعايش الطائفي الذي هو ميزة للثقافة اللبنانية.
ومع استقلاللبنان ،دعت الطائفة السنية(للمشاركة)في الحكم مع المسيحيين، وترسخ النظام الطائفي ،وبدلا من حماية العيش المشترك لحفظ الكيان والارتقاء به إلى مستوى الدولة العادلة والمؤسسات ،وفق منظومة (الشعب الواحد) فقد انحرف هذا النظام نتيجة عوامل داخلية وخارجية ،وتحول إلى نظام يعتمد(الطائفية السياسية)على كل المستويات ،و(المحاصصة)، مما شكل إعداما منهجيا للكفاءات وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
وترسخت الطائفية بمناهجها الشاملة بدل من حصرها(بالطائفية السياسية)خاصة بعد الحرب الأهلية عام 1975 حيث تحولت الطوائف إلى (كيانات ذاتية)لها مدارسها وأسواقها ومستشفياتها وتلفزيوناتها ، ومناطقها الجغرافية نتيجة التهجير القسري ، وتطورت إلى أراء سياسية تناقض الأحكام الدستورية لجهة تحديد العدو والصديق ،وتعطلت مفاعيل اتفاق الطائف، والذي ينص في المادة(95)من الدستور على تشكيل هيئة لإلغاء الطائفية السياسية عند إنتخاب أول مجلس نيابي ،ومنذ العام 1992 لم تشكل هذه الهيئة حتى الآن مع كل الدعوات المتكررة لذلك،وهنا لا بد من توضيح بعض الإلتباسات حول طرح(إلغاء الطائفية السياسية):
- إن إلغاء الطائفية السياسية ليس إلغاء للفكر الديني أو للسلوك الديني للفرد أو للجماعة بل على العكس إنه تحصين للدين والجماعة .
- إن الطائفية تعتبر منظومة من التعصب السلبي للجماعة بما يخالف الدين الذي يدعو إلى احترام الآخر والحوار معه والإعتراف به ، وهنا يقول الإمام الصدر (إذا دعاكم دين ما أو أحد الأطراف إلى الإنكماش وعدم الحوار مع الطوائف الأخرى فارفضوه وألغوا ذلك الدين لأنه لا يمكن للأديان إلا أن تأمر باللقاء
- إن الطائفية السياسية هي أحد فروع التجارة وقد قال سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله (إن التاجر يتاجر بماله وبضاعته أو ربما ببعض مال الناس ،أما السياسي الطائفي فإنه عندما يتاجر ،فإنه يتاجر بدماء الناس وكرامتهم وحريتهم فهؤلاء من يدفع الثمن في حين يتربع السياسيون على العرش الوظيفي).
- إن مبدأ إلغاء الطائفية السياسية شعار رفعه الشيعة قبل الآخرين ،و ذلك عبر أول نداء للإمام الصدر عام 1969 عند تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى و في الوثيقة السياسية للمجلس الإسلامي الشيعي في السبعينات، وكان هذا الشعار أحد العناوين الرئيسية للحركة السياسية الشيعية المنظمة عبر(حركة المحرومين) وبعدها حركة(أمل)حتى أن بعض بنود هذه الوثيقة شكلت مرتكزا للصيغة الجديدة للمادة 95 بعد إتفاق الطائف.
ولكن الإمام الصدر و القيادات الشيعية قد تنبهت لمحاذير الفهم الخاطئ لهذا الشعار، والذي ظن البعض أن هدفه الرئيسي سيطرة الشيعة على الدولة ،فقد دعا القادة الشيعة إلى وجوب حماية التنوع الطائفي في لبنان وخاصة الحضور المسيحي ووجوب دراسة السبل القانونية والدستورية لضمان مستقبل الأخوة المسيحيين كمواطنين، ولحفظ المسيحيين في الشرق لما فيه مصلحة الكيان الوطني.
ولذا فإن إلغاء الطائفية السياسية ،مطلب وطني وإنساني وكذلك حفظ التنوع ولا بد من توأمة هذين الهدفين، والأهم من ذلك أن يبدأ إلغاء الطائفية السياسية بإعادة صياغة قانون(تشكيل الأحزاب) و الترخيص للجامعات و الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وإعادة صيغة قانون الإنتخابات على مبدأ الدائرة الواحدة أو النسبية بعيدا عن الدائرة الصغرى.
والأكثر إلحاحا أن يبادر السياسيون والأحزاب المؤيدون لهذا الشعار إلى تكريس خطوات عملية على مستوى القوانين والمراسيم ،طالما أنها في السلطة ولا يكفي أن يتضامن النواب مع المتظاهرين في الشارع ويصوتوا في المجلس النيابي ضد شعارات المتظاهرين، فيصبح التظاهر صوتا في برية السياسيين لا يسمع صداه أحد.!